المرأة في جنوب كردستان.. بين ممارسات السلطة والعنف
هيفيدار خالد
العنف هو كلُّ ما يؤذي الكائن البشري من انتهاكاتٍ وممارساتٍ لا إنسانيةٍ وغيرِها، سواءٌ العنف الجسدي، أو اللفظي، أو الجنسي، أو الاقتصادي، وذاك الممارس على أساس النوع الاجتماعي.
جميعها مورست منذ الأزل إذ صح التعبير لتنخر جسد العديد من المجتمعات في كافة أنحاء العالم، إلا أن الانتشار الأوسع لها في الآونة الأخيرة أصبح بمنطقة الشرق الأوسط وتحديداً في جنوب كردستان.
شبحُ العنف الذي يطارد النساء منذ فترةٍ طويلة لم يعد بإمكان أحد الوقوف في وجهه، أو إيجاد الحل الجذري له، فقد أصبح معضلةً متفشية في كافة المدن والمناطق في جنوب كردستان، والذي تذهب ضحيته كل يوم نساءٌ وفتياتٌ قاصرات في معظم الأوقات، حيث ما زال جنوب كردستان يشهد كلَّ يومٍ جرائم قتل النساء والناشطات، وموتَ العديد منهنّ في ظروف غامضة.
بالطبع لهذه الظاهرة المنتشرة في هذه البقعة الجغرافية، أسباب عديدة منها الأزمة الاقتصادية. فجميعنا يعلم أن جنوب كردستان منطقةٌ غنية بمواردها الطبيعية كالثروات الباطنية مثل النفط والغاز إلا أن معظم سكانها يعانون من فقر مدقع، نتيجة سياسات سلطات جنوب كردستان الفاشلة والفاسدة المتفشية في أجهزة السلطة هناك.
هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة تدفع المزيد من العوائل من ذوات الدخل المحدود إلى الهجرة من قراها ومدنها في ظل عجز السلطات عن إيجاد حل لهذه المعاناة والأزمات المتعددة. كل هذه الأسباب تنعكس سلباً على حياة السكان وبشكلٍ خاص على المرأة.
فالمرأة في إقليم جنوب كردستان تفتقد لأبسط حقوقها في الحياة. وتتعرّض لشتى أنواع المضايقات وأنواع العنف الممارس بحقها. فمثلاً إذا تعرّضت امرأة للعنف، وذهبت إلى الشرطة لتقديم شكوى، تقول لها الشرطة عيب لا يجوز ذلك، وتقوم بمصالحة المرأة مع زوجها أو الرجل الذي تعرض لها ومارس العنف بحقها. وبعد الرجوع إلى البيت تتعرض المرأة هذه المرة لعنف أكثر وأشد وطأة، وسط عدم وجود قانون يحميها، ما يعني أن المرأة في جنوب كردستان غير معترف بها نهائياً، والسبب الأساسي أنها لا تصل إلى مركز صنع القرار.
لكن الأشد خطراً في سياق العنف الممارس ضد المرأة في جنوب كردستان، هو ظاهرة تزويج القاصرات التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكلٍ لافتٍ للنظر وبصورة واضحة، حيث يقوم أولياء الأمور بتزويج بناتهم وهن في عمر الورد، لأشخاصٍ أكبر منهن بسنواتٍ كثيرة، الأمر الذي بات يشكّل خطراً كبيراً على القاصرات والمجتمع، فهذه الظاهرة التي تحوَّلت إلى وباء أضرّ بالمرأة وكيانها، وأصبحت آفةً على المجتمع في وقتنا الحالي، لا بد لها من حلولٍ فوريّة للحدِّ من تفاقمِها في العديد من المدن والقرى في جنوب كردستان.
ظاهرة الانتحار أيضاً هي من المشاكل المنتشرة بكثرة هناك، ومن أسبابها المتعددة إجبار الأسرة أو عائلة الفتاة على القيام بأمور لا تستطيع استيعابها، كحرمانها من التعليم أو الخروج من المنزل بمفردها، وهي أمور لم تطق إدراك معناها لعدم اتساقه مع طبيعة المرأة الجامحة نحو الحرية، ما يدفعها للجوء إلى أساليب، وطرق غير صحيحة غالباً ما تودي بحياتها. كما أن انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة والتطبيقات على الإنترنيت واستخدامها بشكل سيِّئ، من قبل بعضهم ضاعف من جرائم قتل النساء والعنف الممارس بحقهن. وخاصة حوادث الابتزاز الخطير التي تتعرض لها النساء، ولا سيما الفئة الشابة.
تكرار هذه الظاهرة المتفشية بكثرة بين الرجال والنساء بسبب الأحوال المادية الصعبة لكلا الطرفين، ينذر بخطر كبير، ليس على النساء فقط، بل على المجتمع بأكمله، لما لها من أضرار نفسية واجتماعية، لذا على المؤسسات المختصة بقضايا المرأة، والتي ترى نفسها مسؤولة عن هؤلاء النساء، اللواتي أصبحن ضحية للعادات والتقاليد، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تمر فيها بعض العوائل ذوات الدخل المحدود، التحرك، وإيجاد الحل المناسب لهذه المعضلة الاجتماعية.
لكن الأدهى أن الجرائم المرتكبة بحق المرأة في جنوب كردستان، تجد مبرراتها غير الواقعية إنصاتاً وقبولاً لدى المؤسسات الأمنية والقضائية التي من المفترض أن وظيفتها إنصاف المرأة كجزء من المجتمع لا التغاضي عن قاتلها، حيث أن جميع جرائم القتل التي ترتكب بحق المرأة في جنوب كردستان تكون للجاني فيها مبررات يتلقفها المحققون لإغلاق ملف الجريمة، كالتذرع بعدم إطاعتها لأوامر العائلة، أو خروجها من المنزل رفقة شبان في وقتٍ متأخّر من الليل، أو مجرّد خروجها من منزلها دون علم أسرتها، فضلاً عن ذريعة ما تسمى بجرائم الشرف الناتجة عن العادات والتقاليد السائدة في المجتمع.
وعلى الرغم من أن برلمان جنوب كردستان أقر في حزيران 2011 قانوناً يجرّم ختان النساء والعنف الأسري. وفي القانون عقوبات تصل إلى حدّ السجن المؤبد لمرتكبي جرائم الشرف، إلا أن تطبيق هذا القانون يعرقله مناخ الإفلات من العقاب والخشية من الأقاويل، إذ لا تؤدي الأجهزة الأمنية مهامها خلال التحقيق في جرائم القتل التي تكون ضحيتها المرأة، كما يحدث حينما يكون الضحية رجلاً، لدرجة أن بعض الجرائم المرتكبة بحق المرأة لا تصل أصلاً إلى المحاكم، ويقتصر تناولها على الصلح العشائري بين عائلة الجاني والضحية التي هي المرأة.
كل هذ العنف الممارس بحق المرأة في جنوب كردستان يعود لسياسات الطبقة الحاكمة في البلاد والمؤثرة على المجتمع لدرجة أنها تتحكم بكل شيء في حياتهم حتى قوتهم اليومي، وهي تظهر الفساد والسرقات وحتى القتل كممارسات عادية. وفي ظل حالة الإحباط واليأس من إمكانية التغيير والإصلاح التي يشعر بها الفرد في جنوب كردستان، ولتجاوز كل ما تتعرض له النساء من العنف، فإن الجهات المعنية تتحمل مسؤولية إيجاد حل جذري لهذه المشاكل. وخاصة من ناحية تطوير الجهود الحقوقية بالمطالبة بقوانين تحمي المرأة وتطبيق العقوبات ضد مرتكبي الجرائم بحقها، وتوعية المرأة بحقوقها وتشجيعها على ضرورة مراجعة الدوائر القضائية للمطالبة بتلك الحقوق وتنظيم ذاتها في المنظمات والهيئات التي تحميها.[1]